سورة الفجر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


{وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (10)}
أي الجنود والعساكر والجموع والجيوش التي تشد ملكه، قاله ابن عباس.
وقيل: كان يعذب الناس بالأوتاد، ويشدهم بها إلى أن يموتوا، تجبرا منه وعتوا. وهكذا فعل بامرأته آسية وماشطة ابنته، حسب ما تقدم في آخر سورة التحريم.
وقال عبد الرحمن بن زيد: كانت له صخرة ترفع بالبكرات، ثم يؤخذ الإنسان فتوتد له أوتاد الحديد، ثم يرسل تلك الصخرة عليه فتشدخه. وقد مضى في سورة ص من ذكر أوتاده ما فيه كفاية. والحمد لله.


{الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ} يعني عادا وثمودا وفرعون طَغَوْا أي تمردوا وعتوا وتجاوزوا القدر في الظلم والعدوان. {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ} أي الجور والأذى. والَّذِينَ طَغَوْا أحسن الوجوه فيه أن يكون في محل النصب على الذم. ويجوز أن يكون مرفوعا على: هم الذين طغوا، أو مجرورا على وصف المذكورين: عاد، وثمود، وفرعون. {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ} أي أفرغ عليهم وألقى، يقال: صب على فلان خلعة، أي ألقاها عليه.
وقال النابغة:
فصب عليه الله أحسن صنعه *** وكان له بين البرية ناصرا
{سَوْطَ عَذابٍ} أي نصيب عذاب. ويقال: شدته، لان السوط كان عندهم نهاية ما يعذب به. قال الشاعر:
ألم تر أن الله أظهر دينه *** وصب على الكفار سوط عذاب
وقال الفراء: وهي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب. واصل ذلك أن السوط هو عذابهم الذي يعذبون به، فجرى لكل عذاب، إذ كان فيه عندهم غاية العذاب. وقيل. معناه عذاب يخالط اللحم والدم، من قولهم: ساطه يسوطه سوطا أي خلطه، فهو سائط. فالسوط: خلط الشيء بعضه ببعض، ومنه سمي المسواط. وساطة أي خلطه، فهو سائط، وأكثر ذلك يقال: سوط فلان أموره. قال:
فسطها ذميم الرأي غير موفق *** فلست على تسويطها بمعان
قال أبو زيد: يقال أموالهم سويطة بينهم، أي مختلطة. حكاه عنه يعقوب.
وقال الزجاج: أي جعل سوطهم الذي ضربهم به العذاب. يقال: ساط دابته يسوطها، أي ضربها بسوطه. وعن عمرو بن عبيد: كان الحسن إذا أتى على هذه الآية قال: إن عند الله أسواطا كثيرة، فأخذهم بسوط منها.
وقال قتادة: كل شيء عذب الله تعالى به فهو سوط عذاب.


{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14)}
أي يرصد عمل كل إنسان حتى يجازيه به، قاله الحسن وعكرمة.
وقيل: أي على طريق العباد لا يفوته أحد. والمرصد والمرصاد: الطريق. وقد مضى في سورة براءة والحمد لله. فروى الضحاك عن ابن عباس قال: إن على جهنم سبع قناطر، يسأل الإنسان عند أول قنطرة عن الايمان، فإن جاء به تاما جاز إلى القنطرة الثانية، ثم يسأل عن الصلاة، فإن جاء بها جاز إلى الثالثة، ثم يسأل عن الزكاة، فإن جاء بها جاز إلى الرابعة. ثم يسأل عن صيام شهر رمضان، فإن جاء به جاز إلى الخامسة. ثم يسأل عن الحج والعمرة، فإن جاء بهما جاز إلى السادسة. ثم يسأل عن صلة الرحم، فإن جاء بها جاز إلى السابعة. ثم يسأل عن المظالم، وينادي مناد: ألا من كانت له مظلمة فليأت، فيقتص للناس منه، يقتص له من الناس، فذلك قوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ}.
وقال الثوري: {لَبِالْمِرْصادِ} يعني جهنم، عليها ثلاث قناطر: قنطرة فيها الرحم، وقنطرة فيها الأمانة، وقنطرة فيها الرب تبارك وتعالى. قلت: أي حكمته وإرادته وأمره. والله أعلم. وعن ابن عباس، أيضا {لَبِالْمِرْصادِ} أي يسمع ويرى. قلت: هذا قول حسن، {يسمع} أقوالهم ونجواهم، و{يرى} أي يعلم أعمالهم وأسرارهم، فيجازي كلا بعمله. وعن بعض العرب أنه قيل له: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد. وعن عمرو بن عبيد أنه قرأ هذه السورة عند المنصور حتى بلغ هذه الآية، فقال: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ} يا أبا جعفر! قال الزمخشري: عرض له في هذا النداء، بأنه بعض من توعد بذلك من الجبابرة، فلله دره. أي أسد فراس كان بين يديه؟ يدق الظلمة بإنكاره، ويقمع أهل الاهواء والبدع باحتجاجه!

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6